Monday, September 28, 2015

مشكل القرأن



مقدمة
ينبغي أن يعلم أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذى لايعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين : إن فى القرآن آيات لايعلم معناها ولايفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريب فيه.
ومما ينبغي معرفته كذلك أن الإشكال لا يكون فى أصل الآيات، وإنما هو متعلق بفهم القارئ لهذا الآيات، فهو أمر نسبي، فعلى هذا لا مانع من وجود المشكل فى القرآن الكريم، في هذه المقالة سنبحث عن تعريف مشكل القرأن، أهمية دراسة علم مشكله، و أنواعه، و أسباب وقوع الإشكال في القرأن الكريم.











بحث
أ‌.       تعريف مشكل القرأن
لغة المشكل اسم الفاعل من أشكل،  يقول الأنباري (قوله : قد أشكل عليّ الأمر، قال أبو بكر : معناه قد إختلط بغيره، أو يشير بوضوح الى ان الإشكال غير الإختلاف والمناقضة. فقد دفع الله الإختلاف  عن القرأن الكريم بقوله : أفلا يتدبرون القرأن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا. قال الشوكاني : والمعنى انهم لو تدبروه حق تدبره لوجدو مؤتلفا غير مختلف، وقال ابن زيد : ان افقلرأن لايكذب بعضه بعضا ولا ينقض بعضه بعضا، ما جهل الناس من أمر، فإنما هو من تقصير عقولهم.[1]
لذا فالإشكال ينشأ عن تداخل الايات مع اشباهها، فتلتبس على المبتدئ بحيث يصعب عليه معرفة المراد منها، أو الموازنة بينها، إلا بتأمل وإمعان في النظر. وقد عزاه الإمام الزركشي الى عدة أسباب.
1.    وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى
2.    إختلاف الموضوع
3.     إختلاف في جهتي الفعل
4.    إختلاف في الحقيقة والمجاز
5.    ورود الإيتان بوجهين وإعتبارين.[2]
اما إصطلاحا، تشترك بعض العلوم في بحث المشكل مثل أصول الفقه، والحديث، والعلوم القرأن، ومن هنا تباينت تعريفات العلماء له، وسوف  أعرض لها بتفصيل مع بيان المعنى المشترك بينها، وربطه بالمعنى اللغوي، ومحاولة اختيار تعريف مناسب للمشكل.
أولا، عند علماء اصول الفقه
يقول الأستاذ عبد الوهّاب خلّاف : المراد بالمشكل في اصطلاح الأصوليين : اللفظ الذي لا يدل بصيغته على المراد منه، بل لا بد من قرينة خارجية تبين ما يراد منه، وهذه القرينة فى متناول البحث.
ثانيا، عند علماء الحديث
المشكل هو الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالأسانيد المقبولة، وجاء ما يناقضها في الظاهر من آية  أو حديث أو غير ذلك مما ظاهر ومعتبر، أو فيها ألفاظ أو معاني لا تعلم عند كثير من الناس.[3]
ثالثا، عند علماء التفسير وعلوم القرأن
المشكل هو ما يوهم التعارض بين الآيات وكلامه تعالى منزه عن التعارض.[4]
ب‌.  أهمية دراسة علم مشكل القرأن
لاشك أن معرفة المشكل من آيات القرأن الكريم، وطرق دفع هذا الإشكال مهمة للغاية. وتنبع هذه الأهمية من :
1.     أن الإشكال الطارئ على قارئ القرأن يحول بينه وبين التدبر للآيات، وقد أمر الله بتدبر القرأن : Ÿxsùr& tbr㍭/ytFtƒ tb#uäöà)ø9$# 4 öqs9ur tb%x. ô`ÏB ÏZÏã ÎŽöxî «!$# (#rßy`uqs9 ÏmŠÏù $Zÿ»n=ÏF÷z$# #ZŽÏWŸ2 (النساء : 82).
2.    سبيل الى زيادة الإيمان، إذ تطمئن النفس الى معاني كتاب الله تعالى، وأنها حق لا إختلاف فيها ولا تضاد، وكفى بعلم شرفا يزداد صاحبه به ايمانا.
3.     ردّ على الزنادقة، كما فعل الإمام أحمد في كتابه "الردّ على الزنادقة والجهمية" حيث قام في صدر كتابه هذا لجمع والتأليف بين آيات ادّعي عليها هؤلاء الزنادقة التعارض.
4.    سوف تظهر لونا من ألوان جهاد العلماء، حملة الكتاب، كما ستعرف بهم وبمناهجهم ومؤلفاتهم في هذا المضمار.[5]
ج. أسباب وقوع الإشكال فى القرآن الكريم
 أنزل الله عز وجل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وكان هذا القرآن معجزة خالدة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، كلفه الله تعالى أن يبلغه للناس جميعا.
وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الآيات البى تشكل عليهم، وذلك فيما يبدو نتيجة لتحقيق الأمر الإلهي بالتدبر لكتابه الكريم، ثم جاء عصر التابعين، وكثر طرح الإشكالات عما كان عليه فى عهد الصحابة، وكان ذالك محصلة طبيعية لكثرة الداخلين فى الإسلام من غير العرب.[6]
وقبل الدخول فى مباحث هذا الفصل، ينبغى أن يعلم أن هناك سببا رئيسا مشتركا فى كل الأسباب التى سنوردها، وهذا السبب يتعلق بالقارئ لكتاب الله تعالى، ألا وهو مقدار العلم والمعرفة، فبالعلم يتفاوت الناس فى هذا الباب، ما بين مقل ومستكثر، والا فإن التدبر التام للقرآن الكريم كفيل بدفع الإشكال عن النفس.[7]
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "نعم، قد يكون فى القرآن آيات لا يعلم معناها كثير من العلماء فضلا عن غيرهم، وليس ذلك فى آية معنية، بل قد يشكل على هذا ما يعرفه هذا، وذلك تارة يكون لغرابة اللفظ، وتارة يكون لاشتباه المعنى، وتارة لشبهة فى نفس الإنسان تمنعه من معرفة الحق، وتارة لعدم التدبر التام، وتارة لغير ذلك من الأسباب".[8]
وفى هذا الفصل سنعرض الأسباب التى تستشكل الآية لأجلها، مدعما ذلك بالنقل عن كتاب مشكل القرأن الكريم لعبد الله بن حمد المنصور:
1-              إعتقاد أمر مخالف للكتاب والسنة
وهذا السبب واقع عند أهل البدع، حيث ابتدعوا بعض الاعتقادات وجعلوها هي الأصل، ثم نظروا فى الكتاب والسنة، فما أمكنهم أن يتأولوه على قولهم تأولوه، وإلا قالوا : هذا من المشكل والمتشابه فجعلوا بدعهم أصلا، وما خالفهم مشكلا، ولو كان مما جاء به الكتاب والسنة.[9]
وجود هذه البدع وأهلها أوجد هذه الطريقة الخاطئة فى التعامل مع نضوض الكتاب والسنة، مما كان له أكبر الأثر فى استشكال بعض ما جاء به الكتاب والسنة من مسائل العقيدة عموما و آيات الصفات خصوصا.
يقول الشيخ محمد الامين الشنقيطي رحمه الله فى تفسير قوله تعالى : ﴿ ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار [ الأعراف :45 ] هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات كقوله : ﴿ يد الله فوق أيدهم ﴾ [ الفتح : 10 ] و نحو ذلك، أشكلت على كثير من الناس إشكالا ضل بسببه خلق لا يحصى كثيرة، فصار قوم إلى التعطيل و قوم إلى التشبيه، سبحانه وتعالى علوا كبيرا عن ذالك كله، والله جل وعلا أوضح هذا غاية الإيضاح.[10]
2-              إختلاف الموضوع فى الآيات
أن يتوهم القارئ اتحاد الموضوع الذى تتحدث عنه الآيات، بينما الحق أن كل آية لها معناها ودلالتها الخاصة بها. كمثال هذا النوع من الأسباب، أنقل ما ذكره الزركشي فى قوله تعالى : ﴿ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة [ النساء : 3 ] مع قوله تعالى فى أواخر السورة : ﴿ ولن تستطيعوآ أن تعدلوا بين النسآء ولو حرصتم ﴾ [ النساء : 129 ]. فيظن بعض من يقرأ السورة أن الآية الأولى تفهم إمكان العدل والثانية تنفيه.
بينما الصواب : أن الآية الأولى تتحدث عن موضوع يخالف موضوع الآية الأخرى، ولعل مما أوقع فى هذا الإشكال ورود لفظ العدل فيهما، وكذلك كون الحديث فيهما عن النساء، وفى ذلك يقول الزركشي : " والجواب : أن المراد بالعدل فى الأولى العدل بين الأزواج فى توفية حقوقهن، وهذا ممكن الوقوع وعدمه.  والمراد به فى الثانية الميل القلبي، فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى تعض زوجاته دون بعض، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ثم يقول : "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني بما لا أملك" ".
3-              إختلاف الموضع والمكان للآيات
4-              وقوع المخبر به على أحوال وأطوار مختلفة
5-              اختلاف جهة الفعل
6-              تعدد القراءات فى الآية
7-              توهم تعارض الآية أو الآيات مع الأحاديث
8-              توهم استحالة المعنى
9-              خفاء المعنى
10-         غرابة اللفظ
11-         مخالفة المشهور من القواعد النحو والعرابية
12-         الإيجاز والإختصار
13-         احتمال الإحكام أو النسخ للآية
14-         تردد معنى الآية بين أن يكون لها مفهوم مخالفة او لا
د. أنواع مشكل القران و أمثاله
وفيه أربعة مباحث :
1.    ما يظن فيه تعارض واختلاف
يعرف التعارض بأنه : التمانع بين الأدلة الشرعسة مطلقا، بحيث يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر. فعلى هذا يكون على التعارض بين الأمرين : تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه. والتعارض هو التناقض كما ذكراه الغزالي وتبعه ابن قدمة.
أما الإختلاف فنزيد به هنا ما ورد في قوله تعالى : Ÿxsùr& tbr㍭/ytFtƒ tb#uäöà)ø9$# 4 öqs9ur tb%x. ô`ÏB ÏZÏã ÎŽöxî «!$# (#rßy`uqs9 ÏmŠÏù $Zÿ»n=ÏF÷z$# #ZŽÏWŸ2 (النساء : 82) أي لو كان هذا القرأن مفتعلا مختلقا كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم، لوجدوا فيه اضطرابا وتضادّا كثيرا، وهذا القرأن ليس كذلك فهو من عند الله.[11]  
2.    المشكل للتشابه
يرد عند كثير من المفسرين وصف الآية بأنها من المتشابه ويريدون بذلك أن الآية من المشكل، فما وجه الارتباط بين المشكل والمتاشابه؟. وللإجابة على هذا السؤال لابد من تعريف المتاشبه في اللغوي والإصطلاح حتى يتضع وجه العلاقة بين المشكل والمتاشبه عند الحديث عنهما.
يقول ابن فارس في مادة (شبه) : الشين والباء والهاء أصل واحد يدل على تشابه الشيئ وتشاكله لونا ووصفا. يقال  شبه وشبه وشيبة. والشبه من الجواهر الذي يشبه الذهب. والمشبهات من الأمور : المشكلات. واشتبه الأمران : إذا اشكل ومما شدّ عن ذلك الشبهان.
3.    المشكل اللغوى
كان اختيار لغة العرب لينزل بها آخر كتب الله للإنسان، على تعدد لغات البشر واختلاف ألسنتهم يشير إلى فضيلة بيانية جامعة امتاز بها اللسان العربي على كل لسان، وبخاصة إذا عرفنا أن إعجاز القرآن الكريم متعلق بهذا البيان و متصل به.
وسنعرض فى المطالب القادمة ما اتضح لنا من الأنواع والفنون والأساليب اللغوية المرتبطة باستشكال آيات القرآن الكريم، فمن الله تعالى نستمد العون والتوفيق.[12]
-       المطلب الأوّل، ما يتعلق الإعراب
-       المطلب الثاني، ما يتعلق بغريب اللغة
-       المطلب الثالث، ما يتعلق بالمجاز
-       المطلب الرابع، ما يتعلق بالكناية
-       المطلب الخامس، ما يتعلق بالتقديم والتأخير
-       المطلب السادس، خفاء وجه الحكمة في إستخدام بعض الأساليب اللغوية، ومنها :
اولا، الإلتفات
ثانيا، العضمار فى موضع الإظهار وعكسه
ثالثا، التكرار
رابعا، الحصر
4.    المشكل من حيث القراءات و رسم المصحف
أن اختلف القراءات كان مثارا للإشكال عند بعض المفسرين، مما أدى ببعضهم إلى الإطالة فى البيان والتوضيح فى محاولة توجيه القراءة، وعرض اقوال اهل العلم فيها وذلك رغبة فى دفع الإشكال الوارد.
ويجب هنا أن نفرق بين مسالتين تردان عند المفسرين:
المسالة الألى: رد القراءات او تضعيفها او الحكم عليها بالشذوذ.
المسالة الثانية: أن لا يصل الأمر إلى رد القراءة أو تضعيفها او الحكم عليها بالشذوذ، ولكن يحكم عليها بأنها قراءة مشكلة.[13]






خاتمة
لغة المشكل اسم الفاعل من أشكل بالمعنى قد إختلط، اما اصطلاحا بالمعنى ما يوهم التعارض بين الآيات وكلامه تعالى منزه عن التعارض.
كثير أهمية من  دراسة مشكل القرأن منها :
1.     أن الإشكال الطارئ على قارئ القرأن يحول بينه وبين التدبر للآيات.
2.    سبيل الى زيادة الإيمان.
3.     ردّ على الزنادقة.
4.    سوف تظهر لونا من ألوان جهاد العلماء، حملة الكتاب، كما ستعرف بهم وبمناهجهم ومؤلفاتهم في هذا المضمار.
الأسباب التى تستشكل الآية لأجلها، مدعما ذلك بالنقل عن كتاب مشكل القرأن الكريم لعبد الله بن حمد المنصور: إعتقاد أمر مخالف للكتاب والسنة، إختلاف الموضوع فى الآيات، إختلاف الموضع والمكان للآيات، وقوع المخبر به على أحوال وأطوار مختلفة، اختلاف جهة الفعل، تعدد القراءات فى الآية، توهم تعارض الآية أو الآيات مع الأحاديث، توهم استحالة المعنى، خفاء المعنى، غرابة اللفظ، مخالفة المشهور من القواعد النحو والعرابية، الإيجاز والإختصار، احتمال الإحكام أو النسخ للآية وتردد معنى الآية بين أن يكون لها مفهوم مخالفة او لا.
اما أنواع مشكل القران ينقسم الى أربعة أقسام يعني :
1.    ما يظن فيه تعارض واختلاف
2.    المشكل للتشابه
3.    المشكل اللغوى
4.    المشكل من حيث القراءات و رسم المصحف


مراجع
عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، الدمام : فهرسة مكتبة المالك فهد الوطنية أثناء النشر، 1426.
السيوطي، التحبير في علم التفسير، بيروت : 1988.
جلال الدّين السيوطي، الإتقان في علوم القرأن، بيروت: دار الفكر، 2010.
محمد امين بن خير الله الخطيب العمري، تيجان البيان في مشكلات القرأن، حققه حسن مظفر الرزو، دون المطبعة، دون التاريخ.



[1] محمد امين بن خير الله الخطيب العمري، تيجان البيان في مشكلات القرأن، حققه حسن مظفر الرزو، (دون التاريخ، دون المطبعة)، ص 4.
[2] محمد امين بن خير الله الخطيب العمري، تيجان البيان في مشكلات القرأن، .......... ص 5.
[3] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، (الدمام : فهرسة مكتبة المالك فهد الوطنية أثناء النشر، 1426)، ص 43-54. انظر ايضا السيوطي، التحبير في علم التفسير، (بيروت : 1988)، الطبعة الأوّل، ص 102.
[4] جلال الدّين السيوطي، الإتقان في علوم القرأن، (بيروت: دار الفكر، 2010)، الجزء الأوّل، ص 335.
[5] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 23-25.
[6] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 121.
[7] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 122.
[8] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 123.
[9] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 127.
[10] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 128.
[11] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 233-234.
[12] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 275-276.
[13] عبد الله بن محمّد المنصور، مشكل القرأن الكريم، ص 315-316

No comments:

Post a Comment